ذ علي دومي
أفرزت الانتخابات التشريعية بالمغرب ليوم 8 شتنبر 2021 عدة متغيرات على مستوى الخطاب السياسي والممارسة السياسية. الأمر الذي شكل جغرافية سياسية جديدة تتماهى مع الأنتروبولوجيا السياسية التي نمت مع تولي التيار السياسي مناصب المسؤولية في تدبير شؤون البلاد منذ 2011.
المحور الأول: الانتروبولوجيا السياسية بالمغرب بعد دستور 2011.
استغل التيار السياسي الإسلامي فترة الثورات العربية خلال سنة 2011، وانفتاح النظام السياسي المغربي على الخطاب التقدمي الذي دعت إليه حركة 20 فبراير، من خلال توجه المغرب إلى بناء دستوري جديد يستجيب لمطالب الشارع (حرية، كرامة، عدالة اجتماعية). ولعل هذا المطلب هو الذي زكى حزب العدالة والتنمية لقيادة المشهد السياسي المغربي، على اعتبار أنه غير متورط في ملفات الفساد التي كانت تفضحها قوى الحراك الشعبي خلال 2011 بالمغرب. ومع دخول الحزب الإسلامي إلى المؤسسات الدستورية، بات يفرض خطابه السياسي الشعبوي الممزوج بالنفحة الإسلامية والدعوة إلى احترام الزعامات السياسية لكونها تأخد الشرعية نم صناديق الاقتراع، فبات الخطاب السياسي لهذه المرحلة يقوم على قاموس سياسي غني بالمصطلحات و المفاهيم المقتبسة من التراث الشعبي للمجتمع المغربي، ومن أساطير الحضارات القديمة وبذلك برزت هذه المصطلحات والمفاهيم كمحددات جديدة للمناكفة السياسية بين مختلف التيارات الاشتراكية والليبرالية في مواجهة التيار الإسلامي، ونذكر من بينها (التماسيح، العفاريت، حكومة الظل، الجهات العليا) وهي مصطلحات تشير إلى المعارضة الخفية التي كان يواجهها الحزب الإسلامي في تدبير شؤون البلاد، كما أنه ابتدع قاموسا خاصا بالدعاية السياسية يقوم على التهديد من جهة بالعودة إلى حالة الاضطراب الاجتماعي والسياسي، كما يحصل في دول العالم العربي منذ اندلاع تورات 2011، والدعوة إلى التقية، على اعتبار أن مناضلي الحزب الإسلامي لهم مرجعية إسلامية تحصنهم ضد أنواع الفساد كافة، وهو ما كان يعطي رسائل واضحة بأنه حزب يشتغل من أجل معارضة الفساد الذي تسعى الدولة إلى القضاء عليه في جميع المجالات؛ من سوء تدبير ورشوة والتفاف على القانون… وهو الأمر الذي فسره البعض بالابتزاز السياسي الذي يمارسه حزب العدالة والتنمية على الدولة.
وأمام تضارب المواقف السياسية بين حزب العدالة والتنمية وباقي الأحزاب الأخرى، صار المواطن المغربي ينظر إلى الحياة السياسية كمسرحية تمارس فيها السخرية على المجتمع من طرف الفاعلين السياسيين الحزبيين، ليقتنع المواطن أخيرا بأنه لا يمكن أن يستمر هذا الوضع إلى ما لانهاية، وبأنه لا بد أن يتدخل ليضع حدا لهذه المسرحية.
المحور الثاني: إقتراع 8 شتنبر 2021: خطاب سياسي براغماتي.
ساهمت جائحة كورونا (2020-2021)، في إماطة الستار على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمغرب. وظهر للجميع بأن الفاعل السياسي كان مختلفا في جميع القضايا، لكن توحد في مواجهة الجائحة، وفسر المتتبعون الأمر بكون الجميع باتت مصالحه مهددة، ولذلك كان لازما على الجميع التوجه بمنطق واحدج نحو المستقبل، وحصل التقارب بين الأغلبية والأقلية في قضايا عديدة، لعل أبرزها تقديم الدعم الاجتماعي لفئات عريضة من المجتمع المغربي كمساعدة لتجاوز ظروف الأزمة. وفي نفس الوقت تم الاتفاق على تدخل الدولة في منح التمويل للمجتمع المدني، على اعتبار أن المواطن المغربي لا يمكن أن يتحمل الانتقائية في تمويل المشاريع الاجتماعية في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضتها الجائحة، بل طغى على المشهد السياسي التضامن بين القطاعات الوزارية من أجل رصد التمويل الكافي لمواجهة الجائحة، وبات المشهد السياسي شبه متجانس بين الفرقاء، وهو ما فسره المواطن العادي قبل السياسي بضرورة المصلحة العامة. ولقد تجلت هذه المصلحة في السعي إلى اقتصاد قوي، وقطاع اجتماعي متين، وبنى تحتية مؤهلة، وإدارة ناجعة في الأداء من خلال الاعتماد على الخدمات الالكترونية والتكنولوجيا الحديثة والاستغلال الأمثل لوسائط التواصل الاجتماعي.
في ظل هذه التحديات، برزت الباترونا كفاعل مدني قبل الاقتصادي، وتحركت لتقديم المساعدات للمعوزين، مستغلة بذلك السلوك السياسي القائم على الإحسان، الذي يوظفه حزب العدالة والتنمية وأتباعه في كل أزمة اقتصادية أو اجتماعية لمساعدة المتضررين، خاصة سكان الهوامش والضواحي.
انبثق عن هذا الوضع وعي سياسي قائم على الالتفاف حول فاعل سياسي له القدرة على المناورة في تحقيق المكاسب الاقتصادية والاجتماعية لصالح المواطنين في كل الظروف العادية والاستثنائية. واستغل التيار الليبرالي، خاصة حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال و حزب الأصالة والمعاصرة هذا الوعي البكر الذي طفى على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، فمرروا خطابا سياسيا قائما على معطيات رقمية بغية إقناع فئة ناخبة جديدة ، برزت لأول مرة في تاريخ الانتخابات بالمغرب، وهى الفئة العمرية بين 18 و 21 سنة. والتي تعتبر الفئة الأكثر ولوجا لوسائل التواصل الاجتماعي، خاصة الفايسبوك الذي امتلأت صفحاته بخطاب سياسي ترافعي، خلق تأثيرا بضرورة القطع مع المرحلة السابقة والتوجه نحو نموذج سياسي جديد قائم على البراغماتية، وهو ما تجاوبت معه القوى الليبرالية، من خلال التسويق لبرامجها الانتخابية من جهة، والتعريف بأطرها القادرة على تحمل مسؤولية المرحلة القادمة. ويبدو أن الصراح الانتخابي حسم على هذا المستوى، بحيث توجهت الفئة الناخبة إلى صناديق الاقتراع بهدف اقصاء حزب العدالة والتنمية لصالح قوى ليبرالية واضحة الخطاب البراغماتي، ضد كل الخطابات الديماغوجية المشحونة بالعاطفة والمظلومية.
المحور الثالث: الخريطة السياسية لانتخابات 8 شتنبر 2021
جاءت نتائج الانتخابات على الشكل التالي:
الرتبة | إسم الحزب | عدد المقاعد | الرتبة | إسم الحزب | عدد المقاعد |
1 | التجمع الوطني للأحرار | 102 | 5 | الحركة الشعبية | 29 |
2 | الأصالة والمعاصرة | 87 | 6 | التقدم والاشتراكية | 22 |
3 | الاستقلال | 81 | 7 | الاتحاد الدستوري | 18 |
4 | الاتحاد الاشتراكي | 34 | 8 | العدالة والتنمية | 13 |
وتحصلت باقي الأحزاب الأخرى على 10 مقاعد .
إن ما يمكن ملاحظته على مستوى ترتيب الأحزاب وعدد المقاعد المحصل عليها، هو تعرض حزب العدالة والتنمية لزلزال سياسي كبير، بحيث أنه تراجع إلى المرتبة الثامنة عوض المرتبة الأولى خلال الانتخابات السابقة 2016، والحصول فقط على 13 مقعد عوض 126 مقعد في انتخابات 2016.
إن هذا السقوط الكبير لحزب العدالة والتنمية لا يمكن أن يعبر عنه إلا بمفهوم ” العقاب السياسي” الذي مارسه المواطن المغربي سواء بالتصويت ضد الحزب أو بالعزوف كذلك. احتجاجا منه على السياسات الاجتماعية والاقتصادية الفاشلة التي قادها الحزب والتي أثرت على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة الطبقة الوسطى.
يستخلص من هذه النتيجة بأن الحياة السياسية في المغرب أصبحت تمتلك مفهوما سياسيا جديدا تستطيع أن تفعل من خلاله المبدأ الدستوري القائل بربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما يصطلح عليه بالعقاب السياسي.