
✍️عبدالله الفادي
في مغرب كانت فيه الرياضة تبحث عن هويتها، بزغ “عبد اللطيف كتبي” كرجل نادر، رسم مسارا فريدا دون ضجيج، ونسج تاريخا لا يرويه صخب المنصات، بل تكتبه شواهد الميدان وعطر الوفاء، عقود من الازمنة من العطاء المتواصل، جمعت بين الممارسة والقيادة، بين التحكيم والكتابة، في وفاء نادر لروح الرياضة وأخلاقياتها.
من قلب أحياء الدار البيضاء الشعبية، وتحديدا من درب السلطان، خطى “كتبي” خطواته الأولى نحو المجد، بداية من مضمار ألعاب القوى ضمن صفوف “الرجاء الرياضي” بين كبار العصر، قبل أن يجد في رياضة الركبي فضاءه الطبيعي وعشقه الذي لا ينتهي.
انضم إلى نادي “الراسينغ الجامعي” ثم “اتحاد الشرطة” وكان واحدا من أبرز لاعبي جيله حصد الكثر من الكؤوس والبطولات، ليحمل قميص المنتخب الوطني في سن مبكرة، ويواجه منتخبات عالمية في مختلف القارات بما فيها الأوروبية وكانت البداية من البرتغال، في لحظة اختلط فيها الاعتراف الدولي بالعطاء المحلي.
“كتبي” لم يكن مجرد رياضي موهوب، بل كان متعدد القدرات: عداء لا يستسلم، ومقاتل على المستطيل الأخضر، عرف بروحه الرياضة وأخلاقه العالية، تألقه كذلك في المجال الدراسي، بعد اعتزاله اللعب، ولج عالم التحكيم من بابه الواسع، ليصبح حكما دوليا ورئيسا للجنة المركزية للتحكيم، بعد مسيرة تكوين في مختلف المدارس العالمية، وفاعلا رئيسيا في تأطير جيل جديد من الحكام الذين بلغوا بدورهم مراتب عالية في الساحة الدولية.
ولم يقف عطاؤه عند الخطوط الجانبية للملعب “كتبي” اختار أن يواكب اللعبة من منظور آخر، الصحافة الرياضية، كتب في جريدة “الحدث الرياضي” حيث كان قلمه صادقا، لم تكن مقالاته ترفا لغويا أو مجرد رأي، بل شهادات نابعة من تجربة ملموسة.
بعد سنوات من العمل داخل الجامعة الملكية المغربية للركبي تولى خلالها عدة مناصب من أبرزها الرئيس بالنيابة، واعترافا بمساره، وشحه الاتحاد الدولي للعبة بأوسمة استحقاق، لكن روحه بقيت وفية لميدان الممارسة، فأسس جمعية قدماء الركبي بالدار البيضاء، وساهم في إنشاء فروع مماثلة في مدن أخرى، باذلا من وقته وجهده ما يكفي لتبقى اللعبة حية بين أجيال تعاقبت، وليربط الماضي بالحاضر بخيط من الوفاء.
وحتى بعد أن ابتعد عن المسؤوليات الرسمية، لم ينزوي، بادر مع بعض الوجه إلى تأسيس فرع الركبي بنادي الرجاء الرياضي، وهو المشروع الذي توج بعد عامين فقط بلقب وطني، في تجل آخر لحنكته ورؤيته الاستراتيجية التي أثبتت نجاعتها حتى خارج الإطار المؤسساتي التقليدي.
وراء الصورة الصارمة، يكمن إنسان رقيق، شغوف بالطرب العربي الأصيل، في لحظات الصفاء، يتقمص صوت أم كلثوم، كأن الفن هو الامتداد الطبيعي لنقاء روحه، وتعبير حميم عن حس داخلي قل نظيره.
“عبد اللطيف كتبي” لا يحتاج إلى أضواء لتتحدث عنه، بل يكفي تتبع الأثر. أثر رجل آمن بالرياضة كرسالة، وعاشها كالتزام أخلاقي طويل الأمد، وكتب فصولها كفاعل في الظل لا يسعى للتكريم، بل للعمل، في زمن يغلب عليه التهافت، تظل سيرته نموذجا لرجل اختار الصمت ليصنع الضجيج الأجمل، ضجيج التاريخ الطويل الذي يمتد ل 60 سنة.