الصوفية والسياسة: جدلية الروح والسلطة في الفكر الإسلامي
الزاوية الشرقاوية نموذجا
سليم لواحي- ابي الجعد
في كتابه المتميز “الصوفية والسياسة”، يقدم الباحث محمد بن العربي الشرقاوي تحليلاً عميقاً للعلاقة المعقدة بين التصوف والسلطة السياسية في التاريخ الإسلامي. يفتح الكتاب نافذة على دور الصوفية، الذي تجاوز البُعد الروحي ليصبح جزءاً لا يتجزأ من الديناميات السياسية والاجتماعية.
منهجية الكتاب
يتبع الشرقاوي نهجاً تحليلياً يجمع بين التاريخ والفكر السياسي لفهم الدور المزدوج الذي لعبه التصوف كحركة روحية واجتماعية. يبدأ الكتاب بتعريف دقيق للتصوف، مع التركيز على قيمه الروحية المتمثلة في الزهد وتزكية النفس، قبل الانتقال إلى دراسة الأبعاد السياسية التي تبناها المتصوفة في مراحل مختلفة من التاريخ الإسلامي.
محاور العلاقة بين الصوفية والسياسة
يركز الكتاب على ثلاثة محاور رئيسية:
- التصوف كداعم للسلطة:
في أحيان كثيرة، وجد الحكام في الصوفية أداة لتثبيت شرعيتهم، مستغلين نفوذ الطرق الصوفية بين العامة. ويبرز الشرقاوي كيف أن بعض الطرق الصوفية تحالفت مع السلطة لتحقيق الاستقرار السياسي أو المساهمة في نشر القيم الإسلامية. - التصوف كمعارضة للسلطة:
على الجانب الآخر، لعب التصوف دوراً معارضاً عندما انحرفت السلطة عن القيم الأخلاقية أو مارست الاستبداد. يستشهد الكاتب بقيادات صوفية ألهمت حركات احتجاجية أو دعوات إصلاحية واجهت الحكومات الظالمة. - الطرق الصوفية كتنظيمات اجتماعية:
يبرز الكتاب دور الطرق الصوفية كقوى منظمة تحمل بُعداً سياسياً واجتماعياً، خصوصاً خلال فترات الأزمات مثل الاحتلال الأجنبي.
التصوف: انسحاب أم مقاومة؟
يثير الشرقاوي جدلية لطالما شغلت الباحثين: هل التصوف انسحاب من الواقع أم مقاومة خفية؟ يرفض الكاتب التعميم، مشيراً إلى أن التصوف قد لعب أدواراً متباينة، حيث كان في بعض السياقات قوة ناعمة تعزز الاستقرار، وفي أخرى محركاً للثورات.
نقد متوازن
لا يخلو الكتاب من نقد واعٍ للحركات الصوفية، حيث يشير الشرقاوي إلى الاتهامات الموجهة إليها بالتقاعس السياسي أحياناً أو بتحويل الدين إلى ممارسات طقوسية خالية من الجوهر. ومع ذلك، يقدم رؤية متوازنة تعترف بإسهاماتها في بناء الهوية الثقافية والدينية للمجتمعات الإسلامية.
رسالة الكتاب
“الصوفية والسياسة” ليس مجرد تحليل لعلاقة دينية-سياسية، بل هو استدعاء لفهم أعمق للتاريخ الإسلامي بعيداً عن القراءات الأحادية. يدعو الكتاب إلى إعادة النظر في التصوف كظاهرة مركبة أثرت في تشكيل العالم الإسلامي على مستويات عدة.
بأسلوبه العميق ولغته الرشيقة، يقدم الشرقاوي عملاً يُثري المكتبة العربية ويفتح أفقاً جديداً لفهم العلاقة بين الروح والسلطة.