
عبدالله الفادي
حسب خبراء الميدان، ما تنجزه مجموعة OCP عبر ذراعها OCP Green Water ليس مجرد مشروع تقني معزول، بل تحول في طريقة إدارة واحد من أكبر تحديات التنمية، ففي زمن تتسارع فيه المخاطر المناخية وأصبح شح المياه تهديدا، عملت المجموعة على الاشتغال على السيادة المائية عبر الابتكار والشراكة.
تشغيل أنبوب الجرف -خريبكة الذي يمتد على أكثر من 200 كيلومتر ويؤمن نقل المياه المحلاة من الساحل الأطلسي إلى قلب أكبر منجم فوسفاط في العالم، ليس مجرد إنجاز هندسي، بل خطوة جريئة تعيد صياغة علاقة الصناعة بالماء وتكسر فكرة الاستهلاك الجشع نحو نموذج دائري ومستدامة، فحين تنقل OCP المياه إلى مناجمها فهي لا تروي فقط عطش الفوسفاط، بل تضمن في الآن نفسه حق مدينة خريبكة وسكانها في مورد أساسي لا يقبل التهاون.
هكذا يصبح الماء ليس مجرد مورد موجه للصناعة، بل حافزا لتحريك عجلة الاقتصاد المحلي وتنشيط الدورة الاجتماعية في مدينة طالما عانت من الهشاشة، ولعل الأثر الأهم لهذا المشروع أنه يمنح خريبكة متنفسا حقيقيا لتجاوز سنوات العطش المتقطع والقلق المزمن على الأمن المائي، ويفتح أمامها آفاقا أوسع للنمو، ويعيد الثقة إلى ساكنتها في قدرة المشاريع الكبرى على تحسين تفاصيل حياتهم اليومية، فبقدر ما سينعش الأنبوب حياة المناجم والصناعة، بقدر ما ينعش الأحياء السكنية ويقرب الأمل في أن تكون هذه بداية لنهاية محنة خريبكة مع العطش.
يأتي هذا الأنبوب ثمرة تعاون وشراكة بين OCP Green Water وJESA، وتحالف شركات مغربية وعالمية، ومختبرات جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التي تحولت إلى عقل هندسي وابتكاري يمد هذه المشاريع بحلول غير تقليدية، وفي التفاصيل، حسب التصريحات والبلاغات، يكمن المعنى الأعماق في، أكثر من مليون يوم عمل، تشغيل محلي بنسبة 85%، ومناصب قارة تثبت أن الماء يمكن أن يكون أيضا فرصة شغل وتنمية للإنسان قبل أن يكون موردا للصناعة الداخلية.لكن القصة لا تتوقف هنا.
ففي منجم بنجرير، حيث نجحت المجموعة في بلوغ الاكتفاء المائي عبر نقل المياه العادمة المعالجة من محطة مراكش، يظهر الوجه الآخر لهذه المقربة، لا نقطة ماء تهدر، عندما تتحول نفايات سائلة إلى ثروة مائية تعزز السيادة وتحمي التوازن البيئي.والمثير أن هذه المشاريع لا تتحرك في فراغ، بل ضمن رؤية مترابطة، الأنبوب المقبل آسفي–گنتور في الأفق، إنتاجية تتضاعف لتصل إلى 610 ملايين متر مكعب سنويا بحلول 2027، وربط المناطق الصناعية والمنجمية بشبكة مياه مستدامة، كل ذلك في انسجام تام مع خطة OCP الأوسع لتقليل البصمة الكربونية عبر اعتماد الطاقات المتجددة.
إن OCP Green Water تقدم اليوم خطوة عملاقة نحو السيادة على الموارد وأن ذلك لم يعد حلما بعيدا ولا خطابا إنشائيا، بل خطة عمل تنفذ بشراكة العقول، محليا ودوليا، فحين يصبح الماء، مثل الفوسفاط، موردا استراتيجيا تملك فيه الدولة زمام المبادرة، فإنها لا تحمي اقتصادها فحسب، بل تحصن أمنها الغذائي وترسي أسس العدالة الاجتماعية.
يبقى التحدي الأكبر، هو تعميم هذا النموذج خارج الأسوار الصناعية إلى الحقول والمدن، حتى تصبح كل قطرة ماء رافعة للتنمية وليست عبئا أو نقطة ضعف.
ومن يدري، لعل المغرب الذي كتب قصة الفوسفاط منذ عقود، يكتب اليوم قصة جديدة مع الماء وأن تكون خريبكة في مقدمة المدن المستفيدة من هذا التحول، وبداية خاتم لمحنة المدينة مع العطش ولنهضة اجتماعية واقتصادية طال انتظارها.